منذ صدور أحكام السجن بحقّ متورطين في قتل المئات من المدنيين ودفنهم في مقابر جماعية في ترهونة في غرب ليبيا، يرفض ذوو القتلى هذه الأحكام ويصفونها بـ”غير العادلة”، مطالبين بإنزال عقوبة “الإعدام” بالمرتكبين.
وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس بس” يقول محمد اللافي، والد مراد (30 عاما) الذي عثر عليه في إحدى المقابر الجماعية، بينما يحتضن صورة ابنه، بكثير من المرارة، “خطفه مسلحو ميليشيا الكاني عام 2019 في ترهونة، ليقتل ويخفى جثمانه في مقبرة جماعية”، قبل أن يتمّ التعرّف عليه مع العشرات غيره مطلع العام 2022.
ويروي اللافي لوكالة فرانس برس واقعة خطف ابنه وعيناه تفيضان بالدموع، “خطفوه في 15 سبتمبر 2019 من مزرعتي، عقب مكالمات هاتفية متكررة ليلاً لم يردّ عليها. وصلت الى المزرعة فوجدتها أنه تمّ العبث بها، وابني غير موجود”.
وعندما عُثر على مراد، حُدّدت هويته عبر تحليل الحمض النووي (DNA)، ولم يكن تبقّ منه إلا رفات، وفق الوكالة.
أحكام “غير عادلة”
وأصدرت محكمة عسكرية في طرابلس في فبراير أحكاما تراوحت بين السجن لمدة ست سنوات أو عشر أو 15 أو لمدى الحياة، على قرابة ثلاثين متهما بقتل مئات المدنيين الذين عثر عليهم في مقابر ترهونة الجماعية.
ويتوقّع صدور أحكام جديدة بحق العشرات من المتهمين الآخرين خلال الأسابيع المقبلة، بحسب ما أفاد مصدر في وزارة العدل.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن عضو منظمة “أهالي ضحايا ترهونة” مصعب أبو كليش قوله إن الأحكام “غير عادلة وغير منصفة. كان يتوجّب الحكم عليهم بالإعدام وليس السجن فقط”.
ويوضح لفرانس برس أن “جميع ذوي ضحايا المقابر الجماعية غير راضين عن صدور أحكام السجن، لأن هؤلاء بالأدلة مسؤولون مباشرة عن مقتل المئات من المدنيين”، مردفا وهو يتساءل “هل يُكافأ المجرمون بأحكام سجن مخففة؟” واصفا ما فعلوه بـ”جرائم حرب”.
ويرى محمد اللافي أن عقوبة “الإعدام” هي الحكم الوحيد الذي يمكن أن يخفّف حزن عائلته بعد فقدانها ابنا قتل بـ”دم بارد”.
ويقول وقد جلس بجانبه عبد الحكيم، ابنه الأصغر،”منذ قتلوا مراد، زوجتي وأنا مريضان. أصبت بالسكري وارتفاع ضغط الدم، وزوجتي شبه مقعدة من حزنها. كان شابا طموحا لم يتورّط في صراعات السياسة ولا مع الميليشيات، قتل فقط على الهوية”.
وكان مراد ينتمي الى قبيلة النعاجي التي كانت من أكبر المعارضين لحكم الكاني.
ويعتقد أبو كليش أن “جبر الضرر” واحد من أهم القضايا التي على الحكومة الاهتمام بها، للمساهمة في إغلاق ملف دامِ شهدته المدينة.
ويقول “لدى ذوي الضحايا ثلاثة مطالب رئيسية: أولّها التعرّف على بقية المفقودين، ثانيا ملاحقة المجرمين وإصدار أحكام مشدّدة بحقهم، وثالثا جبر ضرر ذوي الضحايا الذين تُركوا في مواجهة مصير التجاهل”.
مصير مجهول
يروي محمود المرغني أن عمّه خالد خُطف منتصف العام 2019، ولم يعثر عليه أو على جثمانه بعد، بحسب فرانس برس.
ويقول المرغني للوكالة الفرنسية “تيتّم بعده ثلاثة أطفال (7 و10 و14 عاما) يسألونني كلّ يوم عن مصيره. قلت لهم إن عمي سافر إلى خارج ليبيا ولا أعرف متى يعود، لم أقوَ على إبلاغهم بأن والدهم خطفه مسلحو الكاني ومصيره غالبا الموت”.
وخرج خالد المرغني (59 عاما) من منزله الكائن في منطقة الخضراء بترهونة عقب صلاة العشاء مطلع يونيو 2019، ولم يعد. وبحسب شهود عيان، ترصّدت به سيارة دفع رباعي فور خروجه من المنزل، ثم اقتاده ثلاثة مسلحين إلى مقر الدعم المركزي الذي كانت تسيطر عليه ميليشيا الكاني. لاحقا، شوهد داخل سجن سرّي يُمارس فيه التعذيب والقتل، وفق تقرير الوكالة.
ويعتقد محمود المرغني أن مصير عمّه والمئات من المدنيين المجهول حتى اليوم، ملفّ لا يقلّ أهمية عن محاكمة المجرمين.
ويقول “لا شكّ أن عمّي خالد قتل… نأمل العثور على جثمانه أو رفاته داخل المقابر الجماعية” التي تتواصل أعمال البحث فيها.
وبلغ عدد الجثامين والرفات التي استخرجت من عشرات المقابر الجماعية في ترهونة 350، تمّ التعرّف على هوية 226 من أصحابها، بحسب حصيلة غير نهائية للهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين ليبيا.