استضافت العاصمة الألمانية برلين على مدار يومي الخميس والجمعة، مؤتمرًا دوليًّا حول الأزمة الليبية بصيغة 3+2+2، التي تشمل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة باعتبارها 3 أعضاء دائمين في مجلس الأمن، علاوةً على تركيا وإيطاليا وألمانيا ومصر، حيث ضم الاجتماع المبعوثين الخاصين لهذه الدول السبع إلى ليبيا، بالإضافة إلى وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام “روزماري ديكارلو”، فيما لم يكن لليبيا وروسيا أي ممثل خاص في الاجتماع.
وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخارجية الألمانية “توبياس تونكيل” عبر حسابه على تويتر: إن الاجتماع تركز حول إيجاد أنسب السبل للتوصل إلى إجماع دولي بشأن خارطة الطريق في ليبيا، وكيفية مساعدة المجتمع الدولي في تجاوز ليبيا لأزمتها السياسية.
دعم دولي لإرساء حل سياسي بليبيا
من جانبها أوضحت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية “نجلاء المنقوش” أن: “اجتماع برلين هو استمرار لالتزام الدول المعنية بدعم جهود الليبيين في إرساء حل سياسي بليبيا”.
وأشارت “المنقوش” إلى أنها ناقشت قبل أيام في مكتبها بطرابلس مع السفير الإيطالي الاستعدادات لهذا اللقاء والذي أكد من جانبه رغبة بلاده في الحفاظ على الأمن والسلم بليبيا.
وأضافت وزيرة الخارجية أنه سبق هذا اللقاء أيضًا اتصال هاتفي أجرته مع المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الألمانية لدى ليبيا “كريستيان بوك”، مبينةً أنهما اتفقا على ضرورة تسريع العملية السياسية والحفاظ على مخرجات مؤتمري برلين 1-2 وصولًا لانتخابات وطنية وفق إطار دستوري متفق عليه.
وخلص الاجتماع بحسب المبعوث الإيطالي الخاص إلى ليبيا “نيكولا أورلاندو” إلى أن الحاضرين جددوا التزامهم بدعم مسار شمولي للانتخابات في أسرع وقت ممكن باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة الليببية، واتفقوا على رفض ما وصفها بـ”الإجراءات أحادية الجانب” دون أن يوضح ماهيتها.
وحول تعيين مبعوث أممي جديد لليبيا قال أورلاندو: إن المجتمعين يتطلعون إلى العمل بشكل وثيق مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدعم خارطة طريق ليبية تؤدي إلى وحدة ليبيا واستقرارها وازدهارها.
وعبّر سفير ألمانيا لدى ليبيا “ميخائيل أونماخت”، الجمعة، عبر حسابه على تويتر عن سعادته بالمشاركة مع المبعوث الألماني الخاص لليبيا في اجتماع برلين الثالث، مشيرًا إلى أن الوحدة الدولية ضرورية لمساعدة ليبيا في إيجاد حل مستدام.
تشديد على إجراء الانتخابات دون تأخير
وكشف حساب السفارة الأمريكية لدى ليبيا عن مشاركة المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند برفقة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال إفريقيا “جوشوا هاريس” في مؤتمر برلين، ونقل عن نورلاند تشديده على ضروة إجراء انتخابات دون تأخير، مشيرًا إلى أن السفير الأمريكي اتصل هاتفيًا برئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات “عماد السايح” للتأكيد على جاهزيته.
وكان المبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا “بول سولير” شدد قبل انطلاق لقاءات برلين على دعم بلاده الحوار القائم بين مجلسي النواب والأعلى للدولة حول القاعدة الدستورية للانتخابات الليبية.
غياب لدول جوار ليبيا تونس والجزائر
ويرى المحامي الجزائري والخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية “د. إسماعيل خلف الله” في حديثه لزوايا أن هذا المؤتمر إنما جاء ليعطي المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا نفسًا ليبدأ في أعماله، مضيفًا أنه لا نية حقيقية في اجتماع برلين لإصلاح الوضع في ليبيا بسبب ما سماه إقصاء لدول جوار ليبيا تونس والجزائر.
وأضاف “خلف الله” أنه كان الأولى للمجتمعين أن يتركز اهتمامهم على جوهر المشكلة في ليبيا وهي كيف يتم توحيد الصف الليبي الداخلي للوصول إلى أرضية قانونية يمكن من خلالها الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.
غياب ليبي
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة “صالح جعودة” إن غياب الأطراف الليبية يشكل أمرًا سياسيًا في عدم جدية المجتمعين كونهم أصحاب الشأن، مضيفًا أنه لم يلحظ أي تغيير يذكر في برلين 3، ما لم توضع آليات وخطوات تنفذ على الأرض لمخرجات هذا اللقاء، مشيرًا إلى أن لقاء برلين السابق لم ينجح إلى الآن في سحب المرتزقة من ليبيا.
وأضاف جعودة أن الأطراف الأوروبية وأمريكا هذه الفترة يهمها فعلًا استقرار ليبيا لكن لأمرين فقط، وهما استمرار تدفق النفط خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضًا إيقاف تدفق المهاجرين.
وفسّر الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون الإفريقية “علي اللافي” في تصريح لزوايا غياب التمثيل الليبي بأن هناك اتجاهًا دوليًا لتجاوز القادة الليبيين، مؤكدًا في الوقت ذاته أن المعالجة الدولية للأزمة الليبية باتت أكثر تدخلًا في المسارين الدستوري والتنفيذي.
وأوضح “اللافي” أن التدخل الدستوري تمثل في تأكيد المجتمعين ضرورة فرض مرحلة الانتخابات وإجرائها لإقصاء وجوه الطبقة السياسية الحالية، وأما التدخل التنفيذي كان في تشديدهم على ضرورة وضع حد للخلاف الحكومي الدائر حاليًا.
غياب التمثيل الروسي
وعن غياب التمثيل الرروسي في برلين 3 رجح “علي اللافي” أن موسكو عمليًا بدأت في فقد أوراقها في الملف الليبي بشكل عام ورهاناتها في الشرق الليبي بشكل خاص، وأضاف أن الموقف الروسي مؤخرًا بات في حالة إرباك وارتباك ورغم ذلك لن يتنازلوا على الملف الليبي بشكل كلي، وأرجع سبب غيابهم إلى أنهم في حالة إعادة تقييم لتعاطيهم مع الشأن الليبي، خاصةً بعد خسارة حرب طرابلس 2019 واشتغالهم بالحرب الأوكرانية.
وفي يناير 2020 عقد مؤتمر برلين الأول حول ليبيا بمشاركة حكومات تركيا والجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وجمهورية الكونغو والإمارات وبريطانيا وأمريكا وممثلين عن الأمم المتحدة بما في ذلك الأمين العام والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
وفى يونيو 2021 عقد مؤتمر برلين 2 لبحث تطورات المشهد السياسي الليبي، والحث على إقامة انتخابات -لم تجر- في 24 ديسمبر من ذلك العام.