لم تتوقف ردود الفعل العربية والدولية المنددة بما حدث في العاصمة طرابلس من اشتباكات سقط ضحيتها عشرات القتلى وأكثر من 150 جريحا، وتوالت التصريحات تباعا، منها ما يدعو إلى التهدئة وأخرى تطالب بالوصول إلى حل سياسي حاسم يمهد الطريق نحو إجراء الانتخابات التي ينشدها الجميع، في وقت لا يلوح في الأفق الليبي سوى انسداد سياسي نتيجة تشرذم أبناء الوطن الواحد بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك.
دوليا، تركيا الحليف الأقوى لليبيا، لم يخلُ بيان خارجيتها من الدعوة إلى ضرورة إجراء انتخابات عادلة وحرة خلال أقرب وقت تلبية لمطالب وتطلعات الشعب الليبي، ولضمان استقرار البلاد وازدهارها وأمنها، داعية في هذا الصدد إلى استكمال أعمال البنية التحتية القانونية بسرعة وبتيسير من الأمم المتحدة.
وأكد البيان التركي استمرار وقوف أنقرة إلى جانب الليبيين، وسعيها إلى تقديم كل أنواع الدعم لإرساء سلام واستقرار دائمين.
قلق أممي
ولعل تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأخير الداعي إلى الوقف الفوري للعنف واللجوء إلى الحوار، والذي جاء متأخرا مع قرب انتهاء اشتباكات طرابلس لم يأت بجديد، وهو التصريح المعتاد الحاضر دوما على لسان المتحدث باسمه، دون أن يحرك ساكنا في الأوضاع على الأرض في ليبيا.
كما أن القلق الأممي الذي لا يفارق بيانات البعثة الأممية لم يعد مرحبا به لدى مختلف الأطراف في ليبيا، والذين لم يلتمسوا خطوات جادة من أقوى مؤسسة دولية لا تنفك عن الدعوة إلى حماية المدنيين وتجنب أعمال العنف.
الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان مبعوث واشنطن الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، أيضا لم تستطع أن تطالب -خلال أحداث طرابلس- سوى بفتح ممرات إنسانية لإجلاء الضحايا والمدنيين المحاصرين، والتنويه إلى حالة الجمود السياسي الحاصلة في ليبيا.
ولم تبخل المملكة المتحدة في تصريح متواضع لوزيرها لشؤون شمال إفريقيا طارق أحمد بالتعبير عن إدانتها للعنف الذي حدث في طرابلس ودعوتها جميع الأطراف للانخراط في حوار جديد برعاية الأمم المتحدة، مع تأكيدها على ضرورة حماية المدنيين، وأهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وممثلة للجميع، وشددت على أن لا حل عسكريا للأزمة المستمرة بشأن الشرعية في ليبيا.
من جهتها، فرنسا دعت جميع الأطراف في ليبيا إلى احترام وقف إطلاق النار، وأعربت عن التزامها بتعزيز حل سياسي قابل للتطبيق للنزاع الليبي، وفق انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة.
الموقف العربي
عربيا، دعت كل من مصر والجزائر وقطر والإمارات والكويت وتونس كافة الأطراف في ليبيا إلى ضبط النفس واللجوء إلى التهدئة وتغليب صوت الحكمة والعقل.
مصر دعت جميع الأطراف والقوى الوطنية والمكونات الاجتماعية في ليبيا إلى وقف التصعيد وتغليب لغة الحوار وتجنب العنف وضبط النفس حقنا للدماء، مؤكدة في بيان للخارجية ضرورة حماية المدنيين وتحقيق التهدئة بما يحفظ للشعب الليبي أمنه واستقراره.
من جهتها، شددت الجزائر على ضرورة العمل الفوري من أجل إيقاف العنف والاحتكام إلى لغة الحوار، مؤكدة أهمية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي اعتبرته مكسباً مهماً في سبيل استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا.
كما دعت قطر، بدورها، الأطراف الليبية كافة إلى تجنب التصعيد وحقن الدماء وتغليب صوت الحكمة ومصلحة الشعب وتسوية الخلافات عبر الحوار، وجددت دعمها الكامل للمسار السياسي الليبي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومساندتها لكل الحلول السلمية التي تحافظ على وحدة ليبيا واستقرارها وسيادتها، وتحقق تطلعات شعبها في التنمية والازدهار.
من جانبها، دانت الإمارات أعمال العنف المسلحة، وطالبت بنبذ الفرقة وإعادة التهدئة والحوار الجاد، وتغليب المصلحة الوطنية لإعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، كما جددت موقفها الداعي إلى حل الصراع في ليبيا، ودعمها الكامل لما يحفظ أمن واستقرار ووحدة ليبيا، وفق مخرجات خارطة الطريق، وقرارات مجلس الأمن، واتفاقية وقف إطلاق النار، لضمان نجاح الانتخابات وتطلعات الشعب الليبي الشقيق نحو التنمية والاستقرار والازدهار.
وطالبت تونس من أسمتهم بالفرقاء الليبيين بانتهاج الحوار سبيلاً لتسوية الخلافات وإعلاء مصلحة ليبيا حفاظاً على أمنها واستقرارها ووحدتها، مؤكدة أهمية تضافر جهود المجموعة الدولية لمساعدة ليبيا على استكمال مسارها السياسي وإجراء الاستحقاقات الانتخابية.
وحثّت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، الأطراف الليبية كافة على “وقف العنف، وحماية المدنيين وتجنب التصعيد” واللجوء إلى “التهدئة والحوار لحل الخلافات”، مشددة على “حرصها على أمن ليبيا واستقرارها وسلامة شعبها”.
وتظل الدعوات العربية والدولية لا تخلو من القلق والخجل دون تحرك واضح وملموس، لا من ممثل العرب “جامعة الدولة العربية” ولا من الحارس الدولي “مجلس الأمن” واللذان لا ينفكان يعقدان جلسات على مدى إحدى عشرة سنة من عمر الأزمة الليبية لم تؤتِ أي ثمار يمكن أن تسهم في حلحلة الأزمة التي لا يلوح في الأفق القريب ولا البعيد أي أمل في تسويتها ما لم يحدث توافق على انتخابات حاسمة في أقرب الآجال.