بعد أكثر من عقد من عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وعلى ركام سنوات من الفشل في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي الذي ينهي الأزمة السياسية في البلاد، تبدأ نائبة المبعوث الأممي ستيفاني خوري مهمة تسيير أعمال البعثة في ليبيا؛ حيث تواجه مشهدا سياسيا متشظيا ومليئا بالانقسامات والتدخلات الدولية، وبيئة مهددة بالعودة إلى العنف.
عملية سياسة شاملة
وفي أولى تصريحاتها، أكدت خوري التزامها بدعم الشعب الليبي نحو “تجنيب البلاد مخاطر الانقسام والعنف”، مشددة على ضرورة الوصول إلى اتفاق حول “عملية سياسية شاملة يملكها ويقودها الليبيون أنفسهم”.
وتعهدت خوري بدعم إجراء انتخابات وطنية شاملة وحرة ونزيهة، وبتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة و “تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ومعالجة انتشار الأسلحة، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان وسيادة القانون”.
أولى الخطوات
وبدأت خوري مهمتها من خلال جولة لقاءات مكثفة مع كبار المسؤولين الليبيين في طرابلس. حيث بحثت مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الوضع الاقتصادي والأمني و “الحاجة إلى الدفع قدما بعملية سياسية تمهد الطريق نحو إجراء الانتخابات”.
والتقت المسؤولة الأممية برئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ونائبيه لمناقشة إرساء أسس للعملية السياسية وإجراء الانتخابات والمصالحة الوطنية.
كما شددت خوري خلال لقاء جمعها برئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، على “أهمية الحفاظ على الاستقرار ودعم السيادة الليبية وتوحيد مؤسسات الدولة”.
وناقشت خوري مع المكلف بأعمال وزير الخارجية الطاهر الباعور ضرورة إجراء الانتخابات لاستعادة الشرعية، ومع وزيرة الدولة لشؤون المرأة، حورية الطرمال، أهمية إدماج المرأة في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ليبيا.
تحديات مقبلة
وتواجه خوري انقسامات عميقة في المشهد السياسي الليبي، في ظل وجود حكومتين في الغرب وهي المعترف بها دوليا وأخرى في الشرق تم تكليفها من البرلمان، في وقت تستمر فيه المنافسة بين الفصائل المختلفة على السلطة والنفوذ.
واستبعد المحلل السياسي عبد الله الكبير، خلال حديث لمنصة زوايا، “أن تبدأ خوري من حيث انتهى إليه باتيلي في المبادرة الخماسية التي لم تكتب لها النجاح ولم تستجب إليها الأطراف السياسية”، مرجحا أن تعمل على “توسيع دائرة المشاركة لإدراكها أن من يحتكرون المشهد السياسي الآن لا يريدون الخروج عن السلطة”.
ووافقه الرأي -ضمنيا- عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، في تصريح لمنصة زوايا، رجح خلاله “أن تبدأ خوري من حيث توقف باتيلي مع الأطراف الفاعلة في ليبيا ولكن بتوسيع المشاركة من أجل الوصول إلى توحيد للمؤسسات”.
إلا أن الكبير يرى “أن خوري ستواجه تعنت الأطراف الدولية المتدخلة في الشأن الليبي، لافتا إلى أن روسيا ستكون بارزة في ذلك في إطار نزاعها مع الغرب بشكل عام”.
ومن المتوقع أن يكون الوضع الاقتصادي الليبي أيضا من العوائق التي ستصعب مهمة خوري الجديدة، خاصة مع أزمة تذبذب سعر صرف النقد الأجنبي في السوق الموازية.
علاوة على ذلك، تخشى الأمم المتحدة من عودة العنف في ليبيا إذا فشلت مبادرات الحل السياسي، والذي قد يؤدي إلى مزيد من الدمار والنزوح وعدم الاستقرار حسب بياناتها.
مستقبل غامض
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه خوري، يتوقع أن تتمتع بدعم أمريكي، لم يحظ به باتيلي، مما قد يساعدها على تحقيق إنجاز ما.
واستبعد عبد الله الكبير وجود ضمانات لنجاح خوري رغم ما قد تلقاه من دعم، بسبب عدم وجود حكومة موحدة وانقسام البلاد.
المصالحة الوطنية أولا
وأشار عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي إلى أن خوري ستركز على إشراك جميع الأطراف في العملية السياسية، مبينا أنهم “يؤيدون هذه الخطوة في سبيل توحيد كافة المؤسسات وخصوصا السلطة الأمنية”.
وقال العرفي “إن على خوري أن تعمل على تفعيل المصالحة الوطنية والبحث في أوضاع القابعين في السجون دون محاكمة عادلة لأكثر من 10 سنوات” إن أرادت أن تبدأ بداية صحيحة.
فرص النجاح
ويعتمد نجاح خوري في مهمتها بالدرجة الأولى على قدرتها في كسب ثقة الشعب الليبي وإقناع الأطراف السياسية والدولية بضرورة التوصل إلى حل سياسي سلمي ومستدام.
وقال العرفي إن “مجلس النواب سيتعاطى مع المبعوثة الأممية الجديدة، خاصة فيما يتعلق باعتماد القوانين الانتخابية، مشترطا ألا تحدث تغييرات جوهرية في القوانين المعتمدة من اللجنة 6+6، موضحا أن أي تغيير كبير من شأنه أن يرجعهم إلى المربع الأول”.
خبرة 30 عاما
ولا تعد خوري الدبلوماسية الأمريكية جديدة على الساحة السياسية والعربية، فهي تملك سجل خبرة يمتد لأكثر من 30 عاما، في دعم العمليات السياسية ومحادثات السلام والوساطة في حالات النزاع وما بعد النزاع، حيث قضت أكثر من 15 عاما مع بعثات الأمم المتحدة في العراق ولبنان وسوريا والسودان واليمن وليبيا.
وقبل انضمامها إلى الأمم المتحدة، عملت خوري كزميلة باحثة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية ومع المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة البحث عن أرضية مشتركة.