في عام 2009 وفي غياب منصب المفتى في ليبيا آنذاك كان المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء هو من يقوم بالإعلان عن كافة توقيتات المناسبات الإسلامية والتي كانت تبدو فيها ليبيا مخالفة على الدوام لإجماع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وأثار المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء تلك السنة جدلا بإعلانه يوم السبت الموافق 19 من سبتمبر أول أيام عيد الفطر في سابقة هي الأولى من نوعها، بعد أن أعلنت معظم الدول العربية والإسلامية يوم الأحد الموافق 20 سبتمبر أول أيام العيد.
مركز الاستشعار غير مختص
عضو مجلس الشؤون الإسلامية والأوقاف في ليبيا الشيخ أحمد القطعاني كان أول من اعترض على ما أعلنه المركز لعدم اختصاصه، وأفتى لليبيين بأن من أفطر يوم السبت يلزمه قضاءه أي صوم يوم واحد فقط بنية القضاء ولا كفارة عليه إن كان جاهلا.
وإزاء حالة القلق التي عاشها الليبيون تلك الفترة بشأن صحة إفطارهم في هذا اليوم، اضطر التلفزيون الرسمي الليبي بمختلف قنواته الأرضية والفضائية إلى تخصيص جانب من إرساله لبث ندوات دينية تؤكد صحة إعلان مركز الاستشعار عن بعد بعيد يوم السبت الماضي وتحث على إطاعة أولى الأمر.
جدل متكرر
وفي عام 2019 أعلنت كل من دار الإفتاء التابعة للحكومة المؤقتة في بنغازي والهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس في بيانين منفصلين أن يوم الثلاثاء الموافق 04 يونيو هو متمم لشهر رمضان، والأربعاء هو أول أيام عيد الفطر.
بعد ساعات من صدور البيانين، تراجعت كل من دار الإفتاء والهيئة العامة للأوقاف عما أعلنتا عنه سلفا، وأكدتا أن يوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، حيث عللت دار الإفتاء تراجعها بالقول “بناء على اتصال رئيس المحكمة العليا بالمجلس الأعلى للقضاء في الساعات الأخيرة من الليل مع فضيلة المفتي وإخباره بأنه ثبتت لديهم شهادة برؤية الهلال وصلتهم من بعض المحاكم التابعة لهم عند منتصف الليل فإن دار الإفتاء تعلن أن يوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر”.
فيما عللت الهيئة العامة للأوقاف أيضا موقفها بالقول “بلغنا لاحقا ثبوت رؤية الهلال ليلة الإثنين، وتبعا لذلك تم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من سلامة شهادة المعاينين للهلال”.
انقسام حول رؤية الهلال
وفي بيان لها الخميس الموافق 20 أبريل الجاري، أعلنت الهيئة العامة للأوقاف بالمنطقة الشرقية أن اليوم الجمعة هو أول أيام عيد الفطر المبارك، لتخالفها دار الإفتاء بطرابلس في بيانها عقب تحري هلال شوال، وتعلن أن الجمعة متمم لشهر رمضان، والسبت أول أيام عيد الفطر المبارك.
وجاء في بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء بشأن رؤية هلال شهر شوال «إنه بعد اطلاع المجلس على التقارير المقدمة إليه، من اللجان المكلفة برصد الأهلة، ودخول الشهور القمرية، ومتابعة المحاكم المختصة باستقبال شهود الرؤية، لم يثبت حكم برؤية الهلال، داخل المدن الليبية، وبالتالي قرر أن الجمعة الموافق 21 أبريل هو المتمم لشهر رمضان، ويوم السبت هو أول أيام عيد الفطر.
في المقابل، أكدت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في بيانها أن «لجنة تقصي الأهلة التابعة للجنة العليا للإفتاء أفادت بأنه قد تمت رؤية الهلال الخميس.. وعليه فإن الجمعة هو يوم عيد الفطر أول أيام شهر شوال لهذا العام 1444 هجريا”.
ما حدث أثار جدلا كبيرا بين الليبيين بعد خروج شهود من المنطقة الشرقية والوسطى ليدلوا بشهاداتهم حول رؤية الهلال، قبل أن تؤكد دار الإفتاء موقفها من يوم العيد من خلال تقرير أصدرته بخصوص الشهادات.
شهادات مردودة
وجاء في تقرير الدار أنه تبين أن الشهادات التي وردت إلى الدار مردودة لعدم توفر المعايير والشروط الشرعية لقبول الشهادة فيها، وذلك من حيث وقت الرؤية؛ ما اقتضي رد الشهادات وحملها على الوهم والغلط حال كون الشهود ثقاتٍ، وعلى الكذب حال كونهم غير ذلك، وفق دار الإفتاء.
حسم الجدل
رئيس قسم رصد الأهلة بدار الإفتاء الليبية الشيخ عبد الرحمن قدوع أوضح أن مراكز الرصد في مدن طرابلس وغريان وزوارة وسمنو أفادت بتعذر رؤية هلال شوال في جميع المراصد، ولفت إلى أن ادعاء رؤيته بالعين المجردة في هذه الظروف كذِبٌ أو وَهمٌ، ولا ثالثَ لهذين، حسب وصفه.
وأكد أن كل المحاكم الجزئية في ليبيا، شرقا وغربا وجنوبا، والتي فتحت أبوابها لتلقّي الشهادات أفادت بأنها لم تتلقَّ أي شهادة بالخصوص؛ كما أفاد رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
بعض الليبيين أخذوا بقول أوقاف المنطقة الشرقية وأدوا صلاة عيد الفطر في بعض المدن ومنها بنغازي وسرت والمرج، فيما أكمل البقية صيامهم عملا بفتوى دار الإفتاء
وفي تصريح تلفزيوني أفتى عضو المجمع الفقهي الدولي وعضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الشيخ حمزة أبو فارس، عقب الجدل الذي حدث أفتى بقضاء يوم الجمعة لمن التبس عليه الأمر فأفطر ظانا أنه يوم عيد.
أمر ليس بجديد
لا يعتبر الاختلاف في رصد هلال العيد أمرا جديدا في الدول الإسلامية، إذ لم يسبق لها أن اتفقت في تحديد بداية المناسبات الدينية.
وسبق أن شهدت بعض الدول العربية على مدى السنوات الماضية جدلا وخلافات حول إعلان عيد الفطر ورؤية الهلال، في اليمن والعراق وسوريا والسودان، حيث اختلفت أيام العيد في نفس البلد.
ولعل أحد أسباب الاختاف في تحري هلال شوال ترجع إلى الوسيلة المتبعة في تحديده، فالبعض يتبع الحسابات الفلكية بينما يعتمد آخرون الرؤية بالعين المجردة في حين تستخدم بعض الدول المناظير الحديثة. وتأخذ غيرها بأكثر من وسيلة.
وسائل تحري مختلفة
وتعتمد دول كالسعودية وليبيا، على سبيل المثال، على رؤية الناس للهلال بالعين المجردة وهي طريقة تقليدية في استطلاعه، فيما تتبع دول أخرى الحسابات الفلكية كما الحال في ماليزيا وتركيا فضلا عن المجلس الفقهي الشمالية، إذا يعتبرون ظهور قمر جديد في الأفق يعني بداية شهر جديد.
كما تختلف الدول حول التوحيد في ثبوت رؤية هلال شوال. فبينما أجمعت كثير منها على وجوب التوحيد إذا اشتركت أكثر من دولة في جزء من الليل، تتبع أخرى الرأي القائل بوجوب اتباع نتيجة التحري في كل بلد بشكل منفصل. وهناك رأي ثالث يرجح التوحيد بين الدول المتجاورة والاختلاف بين الدول البعيدة.